العمل الإيجابي البناء
بقلم قداسة: البابا شنودة الثالث
في حياتنا الروحية وفي خدمتنا ,علينا أن نهتم بأعمال البناء وبالأعمال الإيجابية ولكن فيما نحن نبني حياتنا وحياة الناس,مشتركين مع الروح القدس في العمل يتدخل الشيطان ليقدم لنا سلبيات لكي ننشغل بها عن عملنا الروحي البناء.
أما الإنسان الحكيم فهو الذي لايسمح للسلبيات أن تشغله وتعطله عن عمله الإيجابي لذلك فهو يسلك في عمل البناء باستمرار ويبعد عن الأمور السلبية التي تدخله في صراعات لاتنتهي يفقد فيها روحياته,ويفقد خدمته ويتعطل عمله البناء.
في الواقع إن السيد المسيح نفسه هو الذي وضع لنا قاعدة العمل الإيجابي وعدم الانشغال بالسلبيات في فترة تجسده علي الأرض حينما بدأ خدمته كانت هناك أخطاء كثيرة جدا في المجتمع الذي عمل فيه... كان هناك أخطاء تحيط بالقادة:الكتبة والفريسيين والصدوقيين والناموسيين والكهنة وشيوخ الشعب وهناك أخطاء أخري تحيط بكل من هيرودس وبيلاطس وبالعشارين ورؤسائهم وبغير أولئك جميعا ولم يضع السيد المسيح وقته في محاسبة كل هؤلاء إنما كان يجيبهم إن تعرضوا له.وانشغل بالعمل الإيجابي انشغل بالوعظ والتعليم وبالإشفاق علي المرضي وبالحزاني والمعوزين وكان باستمرار يجول يصنع خيراويشفي جميع المتسلط عليهم أبليسأع10:38وكان يطوف كل الجليل يعلم في مجامعهم ويكرز ببشارة الملكوت ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعبمت 4:23ويقول قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله.فتوبوا وآمنوا بالإنجيلمر1:15.
اشتغل وانشغل بتعليم الناس,وبرعايتهم تحنن عليهم إذ كانوا منزعجين منطرحين كغنم لا راعي لهامتي9:36كان يعظ علي الجبل,ووسط الزروع وفي الطريق وفي مواضع خلاء وفي البيوت وعلي شاطيء البحيرة وفي كل مكان ويشفق علي الناس ويهتم بهم,مع أنه لم يكن له أين يسند رأسه لو9:58.
لم يضع وقته في مشكلة العشارين كيف يجمعون العشور بطريقة يظلمون فيها الناس,ولا شغل وقته بما يفعله حنان وقيافا ومجمع السهندريم إنما كان شغله هو الشعب وكيف يعلمه ويرعاه وهكذا قدم لنا عمليا ذلك المثل الذي يقول: بدلا من أن تلعنوا الظلام أضيئوا شمعة,نعم.إن أضأنا شمعة ينقشع الظلام دون أن نحاربه ودون أن نعطل عملنا الإيجابي بسببه ولكن لعل أحدكم يقول:ولكن السيد المسيح وبخ الكتبة والفريسيين,وقال لهم:أيها القادة العميان إنكم تغلقون ملكوت السموات قدام الناس,فلا تدخلون أنتم ولاتدعون الداخلين يدخلون ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون والمراؤون كيف تهربون من دينونة جهنم؟متي 23:33,13وكذلك قال للكهنةإن ملكوت الله ينزع منكم ويعطي لأمة تعمل ثمارهمتي21:43ووقف ضد الصدوقيين والناموسيينمتي22كما أنه طهر الهيكل وقلب موائد الصيارفة وقال مكتوب بيتي بيت الصلاة يدعي وأنتم جعلتموه مغارة لصوصمتي21:13,12فكيف نقول إنه لم تشغله السلبيات؟!لقد فعل السيد المسيح ذلك في الأسبوع الأخير,لكي يغير القيادات حتي لاتبقي كنيسة تحت سلطانها كل ذلك حدث ما بين أحد الشعانين وما قبل الفصح بيومينمتي 26:2قبل الجلجثة بأيام قليلة وكان تغيير القيادات الدينية لازما قبل صلبه.أما طوال سنوات الخدمة فكان اهتمامه كله بالعمل الإيجابي في رعاية الشعب,وتكوين القيادات الجديدة التي يسلمها مفاتيح الملكوت,وخلال تلك السنوات لم يكن يحارب أولئك المنحرفين بل هم الذين كانوا يحاربونه فيرد عليهم ليشرح لهم الصواب هم والذين يسمعونه وهناك مثل عجيب قدمه لنا السيد المسيح عن الملكوت وهو مثل الحنطة والزوان وما يحمل من تعليم روحي.
قال إن عدوا جاء وزرع زوانا في وسط الحنطة ومضي..مت13:25فاقترح عبيد السيد أن يقلعوا الزوان من الحقل فأجابهم لا لئلا تقلعوا الحنطة مع الزوان وأنتم تجمعونه دعوهما ينميان كلاهما معا إلي الحصادمتي13:29وفي يوم الحصاد يجمع الزوان ويحرق نعم يا إخوتي ,ليس عملكم أن تقلعوا الزوان لئلا تقلعوا حنطتكم معه.. عملكم هو أن تنموا كحنطة وعندما يأتي يوم الحصاد العظيم ينظر الرب إلي حقولكم فيجدها مملوءة حنطة فيجمع منها ثلاثين وستين ومائة,وتمتليء أهراؤه قمحا.هذا هو العمل الإيجابي النافع أما إذا شغلتم وقتكم بجمع الزوان وخلعه من الأرض فقد تتلفون أعصابكم وتضيعون روحياتكم وتقعون في أخطاء لاتعد كأولئك الذين باسم الإصلاح استخدموا أسلوب الشتائم والإدانة والتشهير وقعوا في الغضب والنرفزة وفي الحقد والتحطيم مع الصياح وعلو الصوت وإعثار الآخرين بما يقولون.وإذا بهم فيما يخلعون الزوان,صاروا هم زوانا لأنه ماهي طبيعة الزوان إلا ما يفعلون أما روحياتهم فضاعت في غمرة الصراع وخدمتهم توقفت وأعثرت ولم يقدموا لاقدوة ولا إصلاحا واختبروا واختبر الناس معهم حكمة ما قاله السيد المسيح:لا لئلا تقلعوا الحنطة مع الزوان وأنتم تجمعونه إن كان الرب قد قال هذا عن الزوان الحقيقي فماذا يقال إذن عن الذين يحسبون الحنطة زوانا لضعف رؤيتهم فيتحمسون لخلع الحنطة ويبقي الزوان وحده في الحقل!!ولايجد صاحب الحقل شيئا قد بقي له ليحصده ويضمه إلي مخازنه.
كونوا إذن حنطة واحذروا من الانشغال بجمع الزوان إن الشغوفين بخلع الزوان يفقدون سلامهم القلبي ويفقدون التواضع والوداعة بل يفقدون أيضا سلامهم مع الناس وباستمرار تجدهم غاضبين متضايقين ينفثون غضبهم في الكل ولا يتحدثون إلا عن الأخطاء والنقاط السوداء ويصورون الحال قاتما كئيبا ويتحولون إلي شرر من النار يحرق كل ما يصادفه في قسوة وعنف وفيما يفكرون في خطايا الآخرين ينسون خطايا أنفسهم!!أما أنت يا رجل الله,فانشغل ببناء الملكوت في وداعة وهدوء وفي محبة للكل وبتواضع قلب.
عملك الإيجابي كخادم هو أن تبني وكما قال القديس بولس الرسول ليكن كل شيء للبنيان1كو14:26واعرف� �� أن الذي يبني,دائما يصعد إلي فوق أما الذي يهدم,فهو دائما ينزل أو يهبط إلي أسفل واحذر وأنت تخلع الزوان من الأرض أن تقلع الحنطة التي فيك والتي في سامعيك ازرع الحنطة في كل مكان وأحسن انتقاء ما تلقيه من بذار ازرع الحب في كل قلب وقل كلمة عزاء ورجاء وكلمة منفعة حتي الأشرار حاول أن تكسبهم بالحب وليس معني هذا أن تخضع للباطل أو تجامله فتنتقل من الضد إلي الضد,ولا تبدد طاقاتك في السلبيات فإن الشيطان مستعد أن يقدم لك سلبيات في كل يوم ليشغلك بها!! هو مستعد أن يقدم لك شائعات وأخبارا في كل يوم ومشاكل وصراعات ومضايقات ويكشف لك أسرارا وأفكارا إن أعطيتها مكانا في ذهنك تتعب أعصابك ونفسيتك... قل لنفسك ما شأني بكل هذا؟!أنا وقتي مكرس لخدمتي لايجوز لي أن آخذ وقت الله لكي أقدمه لمناقشة السلبيات أحب أن أضرب لك مثلا بما حدث في تاريخنا الحديث من أواخر القرن التاسع عشر وبداية العشرين كانت هناك نقائص شديدة في الخدمة بل لم يكن هناك وعاظ في الكنائس ولا كهنة متعلمون ولذلك بدأت الطوائف تتأسس وتنمو علي حساب الكنيسة.وكثرت لذلك الانشقاقات والصراعات الداخلية البعض استخدم أسلوب الشتائم والانتقادات والتجريح والبعض دخل مع الكنيسة في صراع وصل إلي المحاكم وأنفقت أموال طائلة في القضايا ..والبعض ظل يبكي علي سوء ذلك الحال.
وكل ذلك لم يجد نفعا لا انتفعت الكنيسة بالاانتقادات والتجريح ولا بالانقسام والقضايا ولا بالبكاء ..فكيف تم الإصلاح إذن؟تم الإصلاح عن طريق العمل الإيجابي الذي آمن به حبيب جرجس قائد الخدمة في القرن العشرين.. لم ينشغل بكل أخطاء زمانه وإنما بدأ يعمل:حفر أساسا ووضع فيه حجرين هما الإكليريكية ومدارس الأحد وظل يبني وأخذ البناء يرتفع وتكون عدد كبير من الخدام يعملون في الوعظ والتعليم في الكنائس وفي الجمعيات وفي مدارس الأحد وفي القري وهو يرتل في قلبه للرب قائلاوأما شعبك فليكن بالبركة ألوف ألوف وربوات ربوات يصنعون مشيئتكإنه لم ينتقد النقص إنما عمل علي تزويد الكنيسة بالاحتياجات التي تنقصها.
وجد الكنيسة ينقصها الوعظ حتي أن كثيرا من الآباء الكهنة كانوا يقرأون من كتب الوعظ وليست لهم قدرة علي الوعظ ولا كفاءة فلم ينتقد ذلك ولم يملأ الدنيا بكاء علي الكنيسة وإنما بدأ في إعداد الوعاظ والخدام واستطاع أن يجعل طلبة الإكليريكية ينشئون جمعيات للوعظ أمكنها أن تؤسس 84 فرعا في القاهرة والجيزة وضواحيها ووجد أن الأطفال والشبان لايجدون من يعلمهم فلم ينتقد الكنيسة علي ذلك ولم يجرحها.وإنما أنشأ مدارس الأحد التي انتشرت في كل مكان وبدأ يؤلف الكتب لتدريسها في المدارس العامة وفي مدارس التربية الكنسية.
ولما وجد الترانيم البروتستانتية بدأت تزحف وتجد مكانها في بعض الإجتماعات أخذ ينظم تراتيل علي ألحان الكنيسة وهكذا خدم في كل مجال,والآن نسي الناس كل السلبيات التي كانت موجودة وثبت في ذكراتهم العمل الإيجابي البناء الذي قام به حبيب جرجس وقدم به درسا.
وهنا أذكر عبارة وردت في قصة الخليقة:
قيلكانت الأرض خربة وخالية وعلي وجه الغمر ظلمةتك1:2فما الذي فعله الرب؟لم يقل الكتاب إن الله لعن الظلمة والخراب.إنما قيل إنروح الله كان يرف علي وجه المياهولم يقل الله:لاتكن ظلمة إنما قال الله فليكن نور,فكان نورتك1:3ورأي الله النور أنه حسن وفصل الله بين النور والظلمةتك1:4والله يدعونا أن نكون نورا بل قالأنتم نور العالممتي5:14وإن صرنا نورا سوف ينقشع الظلام من تلقاء ذاته دون أن نلعن الظلام.
العمل البناء هو العمل الباقي لنا ولغيرنا والعمل الإيجابي كله ربح لا خسارة فيه لنا ولا لغيرنا أقول هذا لكم,لأني رأيت في طريق الحياة أشخاصا ينظرون بعيون لاتري ألا السواد وأما النقاط البيضاء فلا يرونها ولا يتحدثون عنها... هم يبحثون عن الظلام لكي يركزوا عليه وينتقدوه وفي كل ذلك يفقدون بشاشتهم ووداعتهم وسلامهم الداخلي وحديثهم عن الظلام يجعل سامعيهم يفقدون سلامهم أيضا ويفقدون فرحهم ولا يرون الأرض إلا خربة وخالية وعيون هؤلاء الناقدين لاتري روح الله يرف علي وجه المياه ولاتسمع صوت الله يقولليكن نور فكان نور..
حقا ما أجمل قول الكتاب:
ما أجمل قدمي المبشر بالخير,المخبر بالخلاص.أش52:7نا1:15� ��لقد بدأ العهد الجديد بملائكة يبشرون بالخلاص ويحملون بشارة مفرحة يقول فيها الملاكأبشركم بفرح عظيم يكون لكم ولجميع الشعبلو2:10ليتكم إذن في خدمتكم تحملون للناس خبرا مفرحا.
إن الشعب له من آلامه ما يكفيه ويحتاج إلي كلمة عزاء تفرحه وتعطيه رجاء افتحوا له إذن طاقات من نور,وإن لم تجدوا نورا علي الإطلاق حاشا..فكونوا أنتم نورا له.كونوا أصحاب العمل الإيجابي البناء وقدموا للشعب بعملكم وخدمتكم ما يفرحه.
كونوا كالحمامة التي حملت لنوح ورقة زيتون خضراء فعلم أن المياه قد قلت عن الأرضتك8:11,وإلي اللقاء في عدد مقبل إن أحبت نعمة الرب وعشنا..