[img][/img][img][/img]
طوبيا - السفر الأبوكريفي
أحد الأسفار الأبوكريفية ، يدور حول قصة رجل اسمه طوبيا في الشتات . ويوضع السفر في الفولجاتا اللاتينية بعد عزرا ونحميا ، أما في المخطوطات اليونانية ، فموضعه بعد أسفار الحكمة.
أولاً- مضمونه :
يُنفي طوبيا من موطنه في تشبي ، إحدى مدن نفتالي في الجليل الأعلى ، في أيام شلمنآسر ملك أشور ، إلى مدينة نينوي . وكان رجلاً باراً يداوم على حفظ شريعة الله ، ويقوم بالكثير من أعمال البر والصدقة لقومه المسبيين . واهتم بدفن أجساد اليهود الذين قتلهم سنحاريب ملك أشور بعد عودته من أرض يهوذا هارباً من الضربة التي أوقعها الله به وبجيشه ، لتجديفه عليه (انظر 2مل19 : 35و36) . فنما خبر ذلك إلى الملك . فأمر بقتله ومصادرة أمواله ، فهرب طوبيا بولده وزوجته من نينوي . وحدث بعد خمسة وأربعين يوماً أن قُتل الملك بيد ابنيه ، فعاد طوبيا إلى منزله واسترد أمواله ، واستأنف عمله في دفن جثث القتلى من شعبه ، عند انتصاف الليل . واتفق أن عاد يوماً متعباً ، فرمى بنفسه إلى جانب الحائط ونام ، فوقع ذرق من عش طائر في عينيه ، فأصابه بالعمى ، ومن ثم بالفقر ، فأخذ يصلي لله بدموع.
وفي إكبتانا عاصمة ميديا ، كانت سارة ابنة رعوئيل - أحد أقرباء طوبيا - تندب حظها لموت سبعة أزواج واحداً بعد الآخر في ليله الزفاف ، بفعل شيطان اسمه "أزموداس" لغيرته عليها . فبدأت تتوسل إلى الله ليخلصها من هذا العار .
وفي الوقت المعين استجاب الله لصلوات الاثنين ، وأرسل الملاك "رافائيل" (ومعناه : "الله يشفي") ليشفي الاثنين.
كان طوبيا الأب قد أودع عشرة قناطير من الفضة عند شخص اسمه "غابيلوس" في راجيس ، بمقتضى صك يحتفظ به . فأراد أن يرسل ابنه طوبيا لاسترداد الوديعة . ولما كان طوبيا الابن لا يعرف الطريق إلى راجيس ، والتمس رفيقاً ، وجده في شخص عزريا (ومعناه " الله يعين") الذي لم يكن إلا الملاك رافائيل متنكراً.
وسافر طوبيا يتبعه كلبه . وفي الطريق أراد أن يغتسل في نهر دجلة ، فخرج حوت عظيم ليفترسه ، فأرتاع طوبيا وصرخ ، فقال له الملاك أن يمسك بخيشومه ويجتذبه إليه . ثم أمره بشق جوف الحوت والاحتفاظ بقلبه ومرارته وكبده . ولما سأله طوبيا عن سبب الاحتفاظ بها ، قال له الملاك إنه إن ألقى شيئاً من قلبه على الجمر ، فإن دخانه يطرد كل جنس من الشياطين في رجل أو امراة . كما أن المرارة تنفع في مسح العيون التي عليها غشاوة . ثم أمره أن يتخذ من سارة بنت رعوئيل - من ذوي قرابته زوجة ، فيرث كل ما لرعوئيل ، وأنه - بما علمه إياه من وسائل سحرية - يستطيع أن يطرد الشيطان الذي كان يقتل أزواجها ، باستخدام قلب الحوت . وهكذا تزوج طوبيا الابن من سارة بعد أن طرد منها الشيطان . كما استرد له رافائيل الوديعة من غابيلوس . وقفل ثلاثتهم راجعين إلى نينوي ، إلى طوبيا الأب وزوجته حنة ، وكان القلق قد اشتد بهما على ابنهما الوحيد . فاستخدم طوبيا الابن مرارة الحوت في مسح عيني أبيه فشفاهما . وعندئذ كشف رافائيل عن حقيقته ، ثم اختفى عن أنظارهم . ففتح طوبيا الشيخ فاه وبارك الرب . ونصح ابنه وأحفاده أن يبادروا إلى مغادرة نينوي - عقب موته وموت زوجته ودفنها معه في قبر واحد - لأنه قد دنا دمار نينوي . وهو ما فعله طوبيا الابن وقرابته وجميع أعقابه.
ثانياً –أصل السفر :
توجد عدة مخطوطات قديمة لهذا السفر في اليونانية واللاتينية والأرامية والسريانية والعبرانية والإثيوبية . وهي تختلف فيما بينها في الكثير من النصوص . بل إن النسخ في اللغة الواحدة تختلف فيما بينها أيضا
ويدور جدل كثير بين العلماء حول أيها النص الأقدم . ومع أن بعض العلماء يرون أنه كُتب أساسا في اليونانية . وفي مدينة الاسكندرية ، إلا أن اكتشاف بعض الجذاذات منه بالعبرية والأرامية في كهوف قمران ، يرجَّح أنه كُتب أصلاً في إحدى اللغتين الأخيرتين . ويقول جيروم في مقدمته (للفولجاتا) إنه نقله عن نص كلداني . كما أن بعض العلماء يقولون إنه كُتب في أوروشليم . لكن يبدو من السفر نفسه أنه كُتب في الشتات . في أنطاكية أو في بابل.
ويختلف العلماء أيضاً في تقدير التاريخ الذي كُتب فيه اختلافاً كبيراً ، يتراوح بين القرن السادس قبل الميلاد إلى وقت تدمير اورشليم على يد الرومان في 70 م ، وإن كان غالبيتهم يرجعون به إلى القرن الثاني قبل الميلاد .
ثالثاً – تقييم السفر :
يكاد الرأي أن يجمع على أن السفر عبارة عن قصة خيالية ، أراد بها كاتبها بعض التعاليم وتشجيع بعض اليهود في الشتات ، وقد جمع أطراف القصة من العديد من القصص الأسطورية ، كما يبدو في أمر الشيطان "أزموداس" وغيرته على سارة ، وتنكر الملاك ، وتعليمه لطوبيا الأبن الطرق السحرية للعلاج.
وبالكتاب أخطاء تاريخية واضحة ، فهو يقرر أن طوبياَ نفي من موطنه في عهد شلمنآسر الثالث (858-824 ق .م) . ويقول أنه بعد أيام كثيرة مات الملك شلمنآسر ، فملك سنحاريب (705 –681 ق. م) مكانه ، وهي مفارقة تاريخية واضحة ، لأن سنحاريب كان ابن سرجون الثاني الذي ملك نحو خمسة عشر عاماً ، ومع ذلك لا يذكر مطلقاً في السفر . كما يشير في نهاية السفر ( في بعض المخطوطات ) إلى خراب نينوي على يد نبوخذ نصر وأحشويروش ، بينما الحقيقة أنها سقطت في يد نبو بولاسار أجزر كسيس ملك ميديا (في 612 ق. م).
وهناك متناقضات جغرافية بارزة ، مثل وجود نهر دجلة في الشرق من نينوي على بُعد قليل من أكبتانا ، بينما تقع نينوي على الضفة الشرقية من نهر دجلة . كما جاء في النسخة السينائية واللاتينية القديمة والفولجاتا بأن إكبتانا تقع في وسط سهل ، وعلى بعد يومين من راجيس ، بينما تقع إكبتانا فوق جبل وعلى بعد مائتي ميل من راجيس.
وقد قرر مجمع ترنت في القرن السادس عشر ، سفر طوبيا سفراً قانونياً في الكنيسة الكاثوليكية . ورغم أنه قصة شعبية في الدوائر اليهودية ، إلا أنه لم يعتبر إطلاقاً من أسفار الكتاب المقدس عندهم . ولكن وجودة في الترجمة السبعينية مع غيره من الأسفار الأبوكريفية ، خلع عليه بعض الأهمية في الدوائر الكنسية . ولكن من الواضح الجلي أن هناك فارقاً كبيراً بينه وبين الأسفار القانونية . وكان من رأي جيروم أن الكتاب يستحق أن يُقرأ ، لكنه لايحسب بين الأسفار القانونية.