طلب الرب من إبراهيم أن يقدم أبنه ذبيحة على جبل المرايا (وهو الجبل الذى بنى عليه سليمان الملك الهيكل فيما بعد – 2 أخبار 3 : 1 ) ولم تكن فكرة تقديم ذبائح بشرية . فكرة غريبة عن إبراهيم ، فقد اكتشف علماء أن أعدادا من البشر كانوا يقدمون كذبائح عند وفاة شخصية هامة لترافق أرواحهم روحه إلى الدار أخرة حسب أعتقاد ذلك العصر .
كما أن فكرة تقديم البكر كذبيحة لآلهة كانت معروفة لدى شعوب الهلال الخصيب (العراق – سوريا – فلسطين ) ، وهو أمر نراه واضحاً فى تصرف "يفتاح" عندما نذر أن يقدم أول من يقابله متى عاد منتصراً (قض12 : 13) ، وفى سلوك يشع ملك موآب حين ذبح أبنه البكر للأصنام حين أحدقت به الهزيمة (2 مل3 : 4-27) وهو مبدأ تعرضت له الشريعة مؤكدة ضرورة افتدأ الأبن البكر الذى هو نصيب الرب (خر 13 : 13) .
ولكننا نرى الرب يمتدح ايمان إبراهيم ويحتسب له طاعته وتقديمه لأبنه براً عظيماً ... لماذا ؟ مادام هذا الأمر لم يكن جديداً بالنسبة للتقاليد السائدة وقتها "إن عظمة إيمان إبراهيم أنه أطاع الرب فى تقديم أبن الموعد، الأبن الذى وعده الرب أن يأتيه منه النسل (21 : 12) وما أيسر أن كانت تراوده الشكوك فى أن الرب يناقض نفسه، حين يطلب منه أن يذبح الأبن الذى وعده الرب أن يعيش وأن يؤسس نسلاً ، إلا أن إبراهيم أستطاع أن يجتاز امتحان الإيمان بنجاح باهر ، فاستحق ان يتحدث عنه الرب بكل هذا الأعتزاز (بذاتى أقسمت يقول الرب ، أنى من أجل أنك فعلت هذا الأمر ولم تمسك أبنك وحيدك ، أباركك مباركة وأكثر نسلك .. من أجل أنك سمعت لقولى (22: 16– 18) .
كان العصر ، عصر كهنوت أبوى ، فقد كان الأب يذبح عن أبنائه (أى 1 : 5) ويباركهم ويورثهم مواعيد الله وأن تقاليد كثيرة كانت راسخة فى تراث الآباء العظام فقد عرفوا المذبح ، وأقاموا مذابح وقدموا محرقات فى كل مكان حلوا به (12 : 7 ، 26 : 25 ، 28 : 18، 35 : 7) كما ميزوا الحيوانات التى يجوز تقديم الذبائح منها (8 :20)، بل وأعطوا العشور فى أكثر من مناسبة .
لقد عرف الآباء الكبار دون شك ذبيحة المحرقة التى تقدم اعلاناً للطاعة وأستجابة لرضى الرب (8 : 21) وأيضاً عرفوا ذبائح السلام (Peace) والتى تسمى أيضاً ذبائح السلامة (Saving) فحين تصالح يعقوب مع خاله لابان قدم ذبيحة ثم جلسوا معاً للأكل من الذبيحة (31 : 54) ، وقبل نزول يعقوب إلى أرض مصر بدعوة من أبنه يوسف قدم ذبيحة سلامة (46 : 1 –4) كما نفهم من أستجابة الرب له بأن يترك دون خوف إلى مصر ، وأنه سيرعاه هناك كما رعاه فى كنعان .
لذا يلاحظ القارئ لسفر اللاويين أن الشريعة الطقسية تبدأ بتنظيم الذبائح التى كانت معروفة للشعب من قبل (المحرقة والسلامة وتقدمة القربان ) ثم ، فى فقرة جديدة ، تضيف ذبيحتى الأثم والخطية اللتان لم يسبق إعلانهما للآباء الكبار .
هكذا سار التدبير الإلهى ، يستعلن فقرة بعد فقرة ، وجيلا بعد جيل ، حتى جاء ملء الزمان ، وقدم الأبن الوحيد – يسوع المسيح – ذبيحته المقبولة ، فأشتمه أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة (دورة البخور ).