كيف تكتب السيناريو السينمائي
د. جميل حمداوي
تمهيـــــد:
من المعروف أن الصناعة السينمائية لا تنبني إلا على عنصرين أساسين لايمكن الاستغناء عنهما، وهما: السيناريو والإخراج.
فإذا كان الإخراج هو تركيب الفيلم وتحويل السيناريو إلى مشاهد مرئية حركية تقطيعا وتصويرا وتوليفا، فإن السيناريو هو عبارة عن قصة حكائية مروية عن طريق الكاميرا، أي إنه عبارة عن قصة مصورة في لقطات فيلمية ومشاهد وبكرات توصل الفكرة إلى المتفرج قصد التأثير عليه إيجابا أو سلبا. ومن هنا، فالسيناريو هو مضمون الفيلم ومادته الإبداعية التي يشاهدها المتفرج، بينما الإخراج هو مجموعة من الطرائق الفنية والجمالية الشكلية والتقنية التي يلتجئ إليها صانع الفيلم ومحققه لإخراج الفيلم وصناعته وإنجازه تقنيا وإبداعيا. أي يبدأ المخرج عمله بعد تسلم السيناريو من السيناريست ، ويمر عمله بثلاث مراحل أساسية وهي: التحضير للفيلم بعد الموافقة مع المنتج على تنفيذ السيناريو وتمويله، وتصوير الفيلم إجرائيا بعد اختيار المناظر الداخلية والخارجية، والانتهاء بمرحلة التوليف و المونتاج.
هذا، وإن الفيلم المتميز الناجح لايمكن أن يحقق ذلك النجاح إلا إذا كان السيناريو قد بني بطريقة فنية جيدة ورائعة من سماتها: التنسيق والتوليف والتسلسل واحترام التعاقب الزمني والتجديد في المضمون والأطروحة والهدف، والإبداع في الشكل والتقنية والمنظور، وكل ذلك من أجل إثارة الجمهور وجذب انتباهه البصري والسمعي والذهني.
إذاً، ماهو السيناريو؟ وماهي أهم مكوناته السينماتوغرافية؟ وماهي أهم شروطه؟ وماهي المراحل التي يخضع لها تأليف السيناريو؟ وماهي لغاته وتقنياته؟ أو بتعبير آخر ماهي أدوات الكتابة السينمائية التي تسعف كاتب السيناريو في تخطيط حبكته السردية؟ وماهي الطريقة الإجرائية في كتابة السيناريو ؟ تلكم هي أهم العناصر التي سوف نحاول الإجابة عنها في موضوعنا هذا.
1- تعريــــف السيناريو؟
من المعروف أن لفظة سيناريو Scénario كلمة إيطالية تعني العرض الوصفي لكل المناظر واللقطات والمشاهد والحوارات التي سينبني عليها الفيلم بطريقة مفصلة على الورقة من التقطيع حتى التركيب والمونتاج. ولم يحظ السيناريو بالاهتمام إلا مع استقلال السينما باعتبارها فنا له خصوصياته الفنية والجمالية والتقنية على غرار الفنون الجميلة الأخرى، وصار هذا الفن بعد ذلك يلقب ضمن شبكة الفنون الجميلة بالفن السابع ، وعد فنا وصناعة تجارية مدرة للربح. وازدادت قيمة السيناريو مع الفيلم الناطق سنة 1927م مع فيلم "مغني الجاز" لألان گروسلاند Alan Grosland. وأصبح للسيناريو متخصص يسمى بالسيناريست يتعاقد معه المنتج من أجل صناعة الأفلام، وقد يكون السيناريست كاتبا أو شاعرا أو مخرجا أو هاويا أو محترفا.
وتستمد فكرة السيناريو من قصاصات الصحف أو من مضامين بعض المسرحيات أو من القصص أو من الروايات سواء أكانت قديمة أم حديثة أو من أرشيف المحكمة أو من التاريخ أو من وقائع اجتماعية وسياسية وثقافية أو تقتبس من التراث الأجنبي أو العالمي أو الإنساني.
وإذا كان الفيلم عبارة عن قصة مصورة ومشخصة حركيا تروى للجمهور على الشاشة الصغيرة أو الكبيرة أو هو فن سرد القصة بالصور، فإن السيناريو هو التخطيط للفيلم على الورق، أي إنه تخطيط للقصة السردية الحكائية في شكل لقطات ومقاطع ومشاهد وبكرات وحوارات على الورقة لكي تكون قابلة للتشخيص والتمثيل والتمسرح الدرامي في الأستوديو الداخلي أو الخارجي. كما أن السيناريو قصة سردية تكتب بطريقة مشخصة بالحركات والنقل المرئي البصري.
وللتوضيح أكثر: فكاتب السيناريو هو الذي يضع حوارات مكثفة مقتصدة على ألسنة شخصيات محددة بدورها بدقة على عدة مستويات: سيكولوجيا وأخلاقيا واجتماعيا وسلوكيا عن طريق تقطيع القصة إلى بكرات ومقاطع ومشاهد ولقطات حركية مع إبراز أمكنة الأحداث وأزمنتها وتبيان مناظرها ومنظور الكاميرا والديكور والإكسسوارات والإضاءة والمؤثرات الصوتية والموسيقية.
وتأخذ اللقطات والمشاهد والمقاطع والبكرات طابعا تعاقبيا في السيناريو، وتأخذ كل جملة سردية رقما متسلسلا معينا ، ليقوم المونتير فيما بعد بترتيب الإيقاع الزمني والحدثي تتابعا أو توازيا أوتداخلا.
ومن هنا، فالسيناريو عبارة عن شريط سردي ووصفي يهدف إلى تقديم الأحداث والشخصيات والفضاء الزمكاني مع تقديم كل المعلومات الضرورية إلى المشاهد عبر مكونات الحبكة السردية. وهناك نوعان من السيناريو: سيناريو خاص يتعلق بالسينما، وسيناريو عام يوجه إلى المسرح والإذاعة وغير ذلك من الاختصاصات الإعلامية.
وعلى أي، فالسيناريو الخاص:" هو الذي يكتب أصلا لغاية إنتاج فيلم سينمائي، وغيره هو ذلك الذي يحور عن نص موضوع لغير السينما كالقراءة والإذاعة أو المسرح.
جميع أنواع السيناريو دعامة أساسية للفيلم، إنجازه يوكل للمحترفين الممارسين، ومع ذلك فالسيناريو ليس ممتنعا على غير المحترف. فإنشاؤه في متناول حتى السينمائيين الهواة، لأنه يبدأ بفكرة صغيرة حتى ولو كان لأضخم الأفلام وأجودها، وبناؤه هو الذي يكسوه بتلافيف مهما تعددت قنواتها فلابد أن تصب كلها في جدول واحد يقود إلى الفكرة الأصلية التي قد تكون صغيرة بالغة الدقة في الصغر.
مثل هذه الأفكار الصغيرة وحتى الكبيرة منها، يمكن العثور عليها في الوقائع اليومية العادية، فالمهم أن تكون فكرة المحور تتضمن: ماذا وقع؟ وأن يكون كساؤها هو: كيف؟ وتعليل ماوقع.".
ومن جهة أخرى، فالسيناريست هو الذي يتخصص في كتابة السيناريو المعد لإنتاج الفيلم السينمائي، وكاتب السيناريو طبقا للفصل (31) من ظهير29-07- 1970 م في القانون المغربي المتعلق بالصناعة السينمائية" يتمتع بصفة مؤلف سينمائي، وبالتالي تشمله الحماية القانونية كشريك في المصنف السينمائي إلى جانب المخرج وواضع الموسيقا" .
ويعني هذا، أن السيناريست له مكانة محترمة في مجال صناعة السينما، وله ضمانة تشريعية وحماية قانونية مادام هو صاحب الحق ومالك العمل الذي يقوم عليه الفيلم.
ولا يجوز للمخرج أو المنتج إطلاقا أن يتعديا على حقوق السيناريست أو كاتب السيناريو، فلا بد من تعاقد موثق ومثبت قانونيا ، لكي تصبح الشراكة قانونية ، وبالتالي، يصبح العمل مشروعا وقابلا للتمويل والدعم من قبل المراكز السينمائية الوطنية.
2- العوامل التي تتحكم في السيناريو:
يراعي السيناريست في بناء قصته ثلاثة عوامل رئيسية، وهي: التوازن، والتوقيت، والاقتصاد.
ويعني هذا أن قصة السيناريو لابد أن تكون متوازنة في عناصرها متناسقة في محطاتها السردية التي تستند إليها الحبكة القصصية. فالتوازن هو الذي يحقق النجاح للفيلم، فالعناصر لابد أن تتضام وتتشابك داخل نسق فيلمي متوازن في علاقة بالتوقيت والمتفرج الذي لايستطيع متابعة الفيلم في جلسة واحدة أكثر من ساعتين. كما يستوجب التوازن مراعاة عدد المشاهد في علاقتها بمدة الفيلم وطول شريط السيلولويد، وتحقيق الانسجام بين البداية والعقدة والنهاية، وضبط الوقت بشكل متوازن بين مشاهد البكرة الأولى والبكرة الثانية والبكرة الثالثة.
ويقصد أوزويل بليكستون Oswell Blakeston بالتوازن:" القصة المتكاملة التي تترك المتفرجين قانعين بأن كل عنصر من عناصر القصة قد نال نصيبه من الأهمية. والتوازن والتوقيت يتداخلان. ولكن من الممكن أن تجد توقيتا جيدا في قصة ما دون أن تجد فيها توازنا جيدا.".
ويفهم من هذا التعريف أن جميع العناصر المكونة للقصة ينبغي أن تكون متوازية ومتوازنة. وللتمثيل: فالفيلم الذي يستغرق ساعتين يتكون تقريبا من 120 مشهدا، كما ينبني السيناريو على ثلاث محطات سردية أساسية وهي: البداية ، وعقدة الحبكة أو مايسمى بالصراع، والنهاية التي فيها يتم حل المشكل الذي يواجهه البطل أو الشخصية المحورية. فإذا أردنا أن نقسم هذه المشاهد بشكل متوازن، علينا أن نعطي الأهمية الكبرى للصراع مع الإكثار من مشاهده بالمقارنة مع البداية والنهاية. لذا، نخصص للبداية والنهاية ثلاثين مشهدا، بينما نخصص للصراع ستين مشهدا باعتباره أهم مرحلة في عملية الكتابة السردية والمعالجة الدرامية المعقولة. ويضفي هذا التقسيم على الفيلم نوعا من التوازن على مستوى التقبل والقراءة. كما أن الاتساق والانسجام ووضوح المقروئية بالإضافة إلى المتعة والفائدة من العناصر التي تساهم في توفير التوازن الهرموني والتركيبي للفيلم السينمائي.
أما التوقيت فهو عنصر مهم في بناء السيناريو، فكل لقطة أو مشهد أو مقطع أو بكرة لابد أن يخضع فضاؤها السردي للتوقيت المقنن والمحدد بطول مدة الفيلم الذي يتراوح بين 90 و120 دقيقة في جلسة واحدة. فمن المعهود أن المتفرج لايمكن أن يجلس أكثر من هذه المدة ؛ لأنه يحس بالملل والضجر والضيق أمام الأفلام الطويلة.
ويمكن للكاتب في مجال الرواية أن يكتب الكثير من الصفحات بل مجلدات، فهو غير مقيد بالوقت؛ لأنه حر في كتابته التخييلية، فهو يكتب لقارئ ضمني متفرغ للكتابة. ولكن السيناريست غير حر فهو مقيد بمدة الشريط ومدة الفيلم، ومقيد كذلك برغبة المتفرج الذي لا يستطيع أن يجلس أكثر من ساعتين ؛ لأن له جلسة واحدة محددة زمنيا ومؤسساتيا وسيكولوجيا وعضويا. إذاً، لابد أن يراعى السيناريست التوقيت أثناء كتابة الجملة السردية السينمائية و يكيفها حسب مدة العرض، ولابد أن يراعي وقت المشاهد وغيرها من العناصر الأخرى التي تدخل في إطار صناعة الفيلم.
وعليه، " يضع كاتب السيناريو خطة لفيلمه الذي يستغرق مدة زمنية تقريبية، ثم يقسم خطته إلى عدد محدد من اللقطات. وفي الوقت نفسه، يتحتم عليه أن يكون لديه فكرة تقريبية عن طول كل لقطة. وغالبا ما يتحدد طول اللقطة على أساس الحس الفني الذي اكتسبه كاتب السيناريو من طول المران وتمكنه من ناحية التوقيت. كما أن هناك قاعدة عامة تحتم التركيز على المشاهد الهامة وذلك بإعطائها زمنا أطول للعرض. أما عن توقيت دخول الشخصيات وخروجها، وكذلك المناظر، فإن كاتب السيناريو ليس مقيدا بقيود الدراما المسرحية.".
أما الاقتصاد، فهو عنصر مهم في بناء السيناريو، وله علاقة وطيدة بالتوقيت. إذ يستلزم السيناريو الابتعاد قدر الإمكان عن التفاصيل والأوصاف الدخيلة الزائدة والأحداث الجانبية غير المهمة وانتقاء العناصر البارزة التي تخدم الفيلم والحبكة السردية سواء من قريب أم من بعيد. فلا أهمية للتفاصيل والإسهاب والإطناب في الوصف والتشخيص ؛ لأن المقام يستوجب التركيز والتكثيف والإيجاز وتحويل ماهو عاطفي أو ذهني إلى ماهو حركي ، بله عن الاختصار في الجمل والابتعاد عن الأحداث الفضفاضة الزائدة أو الأحداث الانسيابية في الطول والاستمرار التي تتطلب كثرة الوقت، وبالتالي، تؤثر على مدة الفيلم وإيقاع عرضه. وللتوضيح أكثر: لو أخذنا مشهد الأم وهي تطبخ الكسكس في مطبخها ، فهل سنذكر كل التفاصيل، وننتظر متى ستنتهي الأم من ذلك الطبخ.؟ بل علينا أن نلخص كل ذلك في لقطتين سينمائيتين:
1- وضعت الأم الكسكس على النار.
2- أزالت الأم الكسكس عن النار.
ومن ثم، فانتقاء المعلومات عملية مهمة في تحقيق الاقتصاد والتوازن للفيلم السينمائي. وفي هذا الصدد يقول صلاح أبو سيف في كتابه القيم:" كيف تكتب السيناريو؟":" الكاتب المجيد يستطيع أن يلخص المعلومات كلها إلى ماهو مهم ويستطيع أن يحكي قصته في حيز أصغر من الحيز الذي يحكي فيه الكاتب العاجز عن انتقاء المعلومات الضرورية. ومادام حيز الفيلم محدود، فإن الكاتب الذي يعرف كيف يختار المعلومات الضرورية يستطيع أن يحكي أكثر عن التطورات والأحداث، من الكاتب الذي تضطرب في رأسه المادة القصصية المحملة بخير المعلومات المهمة.
وقد يعطي الكاتب لحادث واحد معلومات قليلة أو القدر الصحيح من المعلومات ليس حتما هو القدر الضروري ليجعل المشهد مفهوما.
وحتى نستغل قيمة الموقف لايكفي أن نجعل الموقف مفهوما، ولكن يجب أن يكون مؤثرا وممتعا أيضا. وفي حين لابد من معالجة وسائل التعبير بأكثر الطرق اقتصادا، فلابد أن تكون كمية المعلومات معتدلة وليست موزعة."
وبناء على ماسبق، نستشف أن السيناريو الناجح لابد أن يتكئ على ثلاثة مقومات أساسية لايمكن التفريط فيها أو التغاضي عنها أو الاستغناء عنها ، وهي: الاقتصاد والتوازن والتوقيت.
3- خطوات كتابة السيناريو:
قبل الانطلاق في كتابة السيناريو لابد من بلورة فكرة درامية صالحة للتشخيص والتمثيل السينمائي وتشكيلها في تيمة محورية مثل: الصراع بين الحب والكراهية. وبعد ذلك يلتجئ كاتب السيناريو إلى كتابة ملخص أو سينوبسيس Synopsis في صفحة إلى ثلاث صفحات. ومن خلال فكرة السيناريو، يمكن الحديث إما عن سيناريو أصيل وإما عن سيناريو مقتبس. وبعد ذلك يطوع السيناريست ما يكتبه من حوارات وحبكة سردية حسب إيقاع الشريط ( السيلولويد) وطول الفيلم ومدة عرضه في قاعة السينما. ويبدأ الكاتب في تحديد الجمل السينمائية أو اللقطات التي تتغير بتوقف الكاميرا، لينتقل بعد ذلك إلى ترقيم المشاهد التي تتغير بتغير الزمان والمكان والشخصيات.
وهناك من الكتاب من يراعي أثناء كتابة حوارات السيناريو مستلزمات التصوير والإخراج السينمائي، إذ يحدد المناظر والإكسسوارات وطبيعة الكاميرا وزوايا التأطير وسلم اللقطات وطبيعة الصوت والمؤثرات الموسيقية والتأشير على مدة اللقطة والمشهد والمقطع والبكرة طوال الفصول الثلاثة.
وقد قلنا سابقا: إن كاتب السيناريو لابد أن يعالج قصته الحركية معالجة درامية، حيث يطرح في الفصل الأول القضية أو المشكل، وفي الفصل الثاني يعقد الأمور والأحداث ليبلغ عبرها التعاقب السردي مداه الدرامي بطريقة جدلية تصاعدية، ليخف الصراع الجدلي في الفصل الأخير بإيجاد الحل أو نهاية للمشكلة.
وغالبا ما يستفتح السيناريو أو الفيلم بالجنيريك الذي يحدد عنوان الفيلم ويذكر جميع المشاركين الذين ساهموا في إنجازه وتحقيقه . وبعد ذلك ينبغي أن تكون الافتتاحية السينمائية جذابة مشوقة، يعقبها الصراع الجدلي الذي قد يكون شخصيا أو ثنائيا أو جماعيا، مقبولا ومؤثرا وهادفا وممتعا، لينتهي السيناريو أو الفيلم بنهاية إما مغلقة يقدم فيها حل المشكلة وإما منفتحة تترك المتفرج يتخيل الصور ويخمن الافتراضات الممكنة ويستشرف الأحداث المستقبلية ويتلذذ بخلقها وتصويرها وتخمينها.
ومن هنا، لابد أن يكون السيناريست ملما بالكتابة السردية القصصية أو الروائية أو المسرحية، وأن يلم كذلك بفن التشكيل البصري؛ لأن هناك من يرفق حوارات السيناريو بالصور التشكيلية البصرية أو بلقطات الكاميرا. كما عليه أن يكون ملما بتقنيات التصوير وأنواع الكاميرا وطرائق الإخراج وعمليات التقطيع والتركيب ( المونتاج)، فضلا عن تمكنه من لسانيات التصويت والاطلاع على أنواع الموسيقا.
وينبغي أن نعرف أن السيناريو الجيد قد يعطينا فيلما جيدا أو رديئا، بينما السيناريو الرديء لا يعطينا إلا فيلما رديئا. لذا، يعد السيناريست والمخرج من أهم الدعائم الرئيسية التي يقوم عليها الفيلم الناجح.
هذا، وقد ذكر السيناريست الفرنسي المحترف جان فيري في حوار أجراه معه الأديب فرانك أو طيرو مؤلف كتاب" أحب السينما" الذي صدر سنة 1962م خطوات كتابة السيناريو قائلا:" إن أول عمل يقوم به حين يكلف بالكتابة هو إيجاد خط تتعلق به حوادث الفيلم والعمل على كتابة ملخص أو معالجة درامية تشكل فكرة عامة للموضوع، ثم بعد ذلك ينتقل إلى كتابة التتابع أي خلق سلسلة متتالية من المشاهد تجسد ماروي في القصة، وفي هذه المرحلة تبرز الشخصيات بوضوح وهي تتحرك وتتطور تطورا دراميا ، ثم تلي بعد ذلك مرحلة الحوار الذي يدور بين شخصيات القصة".
ويعني هذا أن السيناريو يستند إلى إيجاد فكرة سينمائية عامة، وتوضيحها في ملخص عام، واللجوء إلى التعاقب وتتابع الصور التي توضح العقدة في اتساقها وانبنائها وتوازنها وتسلسلها، وكتابة الحوارات على ألسنة الشخصيات. ولكن لابد من تخطيط هندسي سينمائي وتقني لكل تمفصلات الحبكة مرسومة على الورق سيساعد المصور والمخرج والموسيقي على تنفيذ الفيلم وخلقه في أحسن صورة وأبهى حلة.
أما السينوبسيس Synopsis فيلخص لنا كل مراحل السيناريو، ويعرض غالبا في قاعة العرض أمام الجمهور إما في شكل ملخص مثبت في جنيريك الملصق، وإما في شكل صور منتقاة بدقة تبين مسار الفيلم حركيا وجدليا.
ومن المعروف أيضا أن" نسخة السيناريو تصحب مدير التصوير ومساعده، والممثلين في قراءة أدوارهم، كما أنها تشكل مرجعا أساسيا خلال عملية التوليف للحسم في اختيار أهم اللقطات من بين اختيارات أخرى. عدو السيناريو وبالتالي الفيلم، هو السرعة في المعالجة، وإغفال التفاصيل. ولعل نجاح الأفلام الأجنبية، بالإضافة لحسن أداء الممثلين والإمكانيات المادية، يتجلى في تركيز السينمائيين كتابا وتقنيين، ومخرجين على كل الجزئيات. وتجد أن مثل هذه التفاصيل الدقيقة، هي التي تعطي للفيلم، في نهاية المطاف، تميزه ونكهته الخاصة. لذلك بفضل التأني في عملية ترقيم المشاهد، وتركها لآخر لحظة حتى يحس الكاتب أنه قد استنفذ كل مايريد بسطه، وحسم الأمر لصالح اختيار ما، لأن عملية تأليف المشاهد معقدة ومتداخلة، كما أنها متسلسلة. ومن الطبيعي أن تقفز لذهنه أشياء وتفاصيل، ربما تغافل عنها، أو أحب إضافتها. لذا يفضل أن يترك السيناريو لمدة ما فوق الرف، يتبادر خلالها لذهن الكاتب تنويعات ورتوشات قد تزيد من جمالية لقطة، من مصداقية حركة أو مبررات نظرة.".
وينبغي التنبيه إلى أن كتابة السيناريو لابد أن يخضع للتوقيت كما أشرنا إلى ذلك سابقا، فالمرحلة الأولى يخصص لها نصف ساعة، بينما مرحلة الصراع الأساسية يخصص لها ساعة كاملة، أما حل المشكل فيخصص له نصف ساعة كالمقدمة الافتتاحية. ويساهم هذا التقسيم في خلق التوازن وانسجام الإيقاع الهرموني للفيلم السينمائي.
ولابد عند كتابة التصوير أن يركز الكاتب على كل ماهو ممكن وكائن وأن يبتعد عن المستحيل والخارق ، و يراعي الإمكانيات المادية والمالية والبشرية، وألا يكلف المنتج ما لايطاق، وإلا سيحكم على مشروعه الفكري والفني بالفشل مسبقا.
ومن الأفضل لكاتب السيناريو من تكثيف الأحداث والابتعاد عن الوظائف الثانوية أو المجانية، ويترك التفاصيل ويقلل قدر الإمكان من الأماكن التصويرية الخارجية، ويتجنب استعمال المخترعات التقنية الحديثة الباهظة الثمن كاستخدام الدبابات والطائرات وتصوير المعارك الحربية. أي على كاتب السيناريو" أن يتذكر دائما حجم الإمكانيات التقنية والمالية لتحويل مشروعه لفيلم. كما يحاول قدر الإمكان التقليل من الانتقال من مكان إلى آخر نظرا للمصاريف التي يكلفها ذلك، مع الإمكانات التقنية والفنية التي يفرضها التصوير في مكان مظلم أو يصعب الوصول له. فلا يمكن مثلا، رصد ميزانية تصوير مشاهد من الخيال العلمي حيث الصحون الطائرة أو الطائرات المقنبلة. لاحاجة للقول: إن الفيلم الجيد يبدأ مع السيناريو الجيد، إلا أن طريقة الإخراج هي المحك النهائي، والفيصل القاطع في تدارك أخطاء الكتابة، وإضفاء مسحة إبداعية على ماكتب على الورق. غير أن هناك من التفاصيل في بناء القصة، ومواصلة التشويق، وضبط خيوط التطور الدرامي. كل يفضل أن يكون مقيدا على الورق. ومهما حاول المخرج أن يرقع ويخيط ما أمكن، فللسيناريو الكلمة الفصل.".
زد على ذلك لابد أن تكون الحوارات مقتضبة بعيدة عن التخييل الإنشائي واستعمال البيان البلاغي الطويل المسهب. فلابد من استخدام لغة تواصلية واقعية واضحة كما اللغة التي نستعملها في الواقع اليومي بكل حمولاتها الأخلاقية أو القدحية، بشكلها المتكامل أو بشكلها المتقطع أو الغامض المبهم . أي لغة يتكلمها المجتمع ويستعملها الناس العاديون في خطاباتهم التداولية بدون بلاغة زخرفية ولافصاحة متصنعة. كما يشترط في الحوار أن يكون محدودا مختصرا مكثفا قابلا للتشخيص منطوقا أو مشخصا حركيا. ويدخل الحوار" ضمن خانة الصوت الذي يشمل كل مايسمع على الشاشة، بدءا من أبسط صوت، إلى الموسيقا التصويرية، ثم ضجيج الأجواء من مطر أو أزيز محركات أو غيرها. فكما أن الحوار يجب أن لايكون عالما وأكاديميا، لكن طبيعيا مسترسلا، متقطعا، ومقاطعا، غير خاضع للتناوب على من سوف يأخذ الكلمة، غامضا وغير مكتمل أحيانا بمفردات مقتضبة جدا بنبرة قوية وذات ثقة بالنفس وأخرى بإيقاع رتيب ومهدود...".
يبدو –إذاً- أن كتابة السيناريو عملية صعبة ومعقدة تتطلب الأناة والصبر والخبرة السينمائية والدراية الأدبية من أجل إبداع عمل جيد يصلح لعمل سينمائي جيد.
4- آليات وتقنيات كتابة السيناريو:
يستحضر السيناريست أثناء كتابة السيناريو جميع التقنيات والآليات التي تستعمل في تحضير وصناعة الفيلم. لذا لابد أن يكتب السيناريو في شكل لقطات مختصرة واضحة هادفة محددة، ثم تدمج في شكل مشاهد ومقاطع وبكرات قصد الحصول على الفيلم.
ومن المعروف أن الفيلم يصور على شريط من عرض 35 ملم، وطول يبلغ 2كلم 462 م و40 سم.، وهو مصنوع من مادة السيلولويد المرنة الكثيرة المقاومة. ويتكون الشريط من لفيف الصور المتحركة الذي يوجد إلى جانبيه : شريط الصوت وشريط الموسيقا. كما يضم الشريط الفيلمي 129600 صورة، أما حجم الفيلم فهو0.14 ملم.
ويستحسن أن يكون كاتب السيناريو على علم بسلم اللقطات الذي يتنوع إلى الأنواع التالية:
• اللقطة العامة: تلتقط فيها لقطة عامة وكلية لمجال ما سواء أكان ديكورا أم فضاء أم منظرا عاما، ويمكن أن نشاهد فيه مجموعة من الأشخاص. أي إن اللقطة العامة هي التي تنقل لنا الجو العام والفضاء الكلي الذي ستجري فيه الأحداث.
• اللقطة المتوسطة: تصور الشخصيات بشكل كلي داخل ديكور معين.
• اللقطة الأمريكية: تعمد إلى تصوير الشخصية من الرأس حتى الركبة وخاصة في أفلام رعاة البقر أثناء لحظات المقاتلة والصراع.
• اللقطة الإيطالية: تظهر لنا هذه اللقطة الشخصية من أعلى الرأس إلى ما تحت الرك